Posts

Showing posts from January, 2014

تركي الذي رحل

تركي الذي رحل في مدرسة مرات الابتدائية كان يحلو للأستاذ احمد الدسوقي اسماعيل سرور ( ما زلت اذكر اسمه فكان من المتميزين) دائما أن يدعوني وتركي ب (يا أسود الإسم  ويا أسود الجسم ) وكنانستلطف ذلك منه فكنا صديقين متلازمين ، وكان استاذاً عطوفاً يدخل البهجة في حصصه . المدرسة كانت تاخذ حيزاً كبيراً من حياتنا فهي لا تنتهي بانتهاء الحصص الدراسية وإنما كنا كثيراً ما نعود بعد العصر للتربية الفنية حيث كنا نقضي وقتنا بالرسم او الأشغال ( اشغال النجــــارة والحدادة وغيرها ) و في المكتبة حيث نقرأ بصمت أو يناقشنا امين المكتبة وهو الاستاذ / خضر علي العماس فيما قرأناه ، او لحضور بروفات ( تدريبات ) التمثيليات التي نشارك بها والتي ستقدم في الندوات ( والندوة هي حفلة تقيمها المدرسة عدة مرات في السنة يدعى لها كل اهالي مرات وتقدم فيها الكلمات والاناشيد والتمثيليات وغيرها ) ، او حتى بالزراعة والاعتناء بالنباتات التي زرعناها وخاصة زهور MARIGOLD والبصل وفي الشتاء الجزر . أما الرياضة فكانت تأتي في ذيل اهتمامنا وكنا نفرح بظهور أسمائنا في قائمة الشرف التي تُعلق في مكان بارز في مدخل المدرسة. ...

قمــــر فرجينيا

قمر فرجينيا كانـت الساعة قد تجاوزت التاسعة مساءً ، وكنت اقود سيارتي في شارع كين ميل القديم ، وكان سرب السيارات امامي يشكل خطا متصلا من الألوان والأضواء المتضاربة ، وأصوات أطفالي المتداخلة تملأ مجالي السمعي ، ويوم فرجينيا الطويل بضجيجه وصوره الصاخبة قد مضى يجر أذياله ، وفجأة ـ برز بشكل مهيب من خلف صف أشجار السنديان والبلوط على الجانـب الشرقي للطريق .. قمــــر .. نعم إنه القمر .. كان مكتملاً تماماً .. وكان الطريق متموجاً يعلو ويهبط ثم يلتوي يمنة ويسرة ، وبدا القمر خلف تلك الأشجار العملاقة وكأنه يغوص ويظهر، وملأني ذلك الإحساس المفاجئ بشعور غريب .. وأشرقت كل أرجاء ذاكرتي بنور القمر .. وطفت على سطح الذاكرة صورٌ كانت مطمورة خلف أنقاض من الصور والرؤي وما يشبه الأحلام . وكنت مأخوذاً بروعة اللحظة .. مأسورا بذلك الشعور المهيمن الذي جعلني أنكمش إلى داخلي تماما وأغوص في أعماقي وأنتقل بكل حواسي إلى عالم آخر بعيد وزمن آخر بعيد . وزاد من وطأة الشعور وحدته إدراكي لذلك التناقض المدهش بين ذلك السكون الرائع الذي بعثه منظر القمر في داخلي ، وصخب الحياة وزمجرتها من حولي . وحين أشرت لأطفالي إلى القمر س...

مقامة الوردة والمرزبة

Image
  مقامة الوردة والمرزبة ( المقامة المنسية من مقامات بديع الزمان الهمذاني ) بقلم : احمد الأسود كان يا ماكان في سالف العصور والأوان ، وغابر الزمان رجل يدعى حمدان ، يعيش في بلاد الأمريكان ، ويحب أكل الجريش والقرصان ، والتنزه في البساتين والوديان ، وصعود الجبال ولو كان حفيان . وفي يوم من الأيام عّرج على بستان يغص بالورد والريحان . تملأه الأزهار ، وتغرد فيه الأطيار ، وتجري فيه الجداول والأنهارو به كل صنوف الفواكه والخضار. فتعجب مما رأى وإحتار ، وتاهت في رأسه الأفكار ، فتشهد بالواحد القهار مبدع هذا الجمال والقادر على الكمال . وبعد طول تجوال ، ألقى عصا الترحال ، واستفاء بظل خميلة ، تشفي النفوس العليلة ، وترد الروح للأجساد الكليلة . فرأى وردة جميلة ، موشاة بالأحمر و مكللة بالأصفر . شذاها يسكر وعطرها يفتن . فكانت   متعة للناظرين ، وبهجة للمتأملين . فسولت له نفسه ، والنفس أمارة بالسوء بأن يقطف تلك الوردة ويهديها لإمرأته ،  ولم يكن يعلم ما تخبيء له الأيام من طوارق الحدثان ، إذ صدف في تلك اللحظة أن مربه حارس البستان فرآه يقطف الوردة ، فجن جنونه ، وطار صوابه ، ...

كميــــــــــــت

Image
بقلم الدكتور / أحمد الأسود ( كميت ) هو أول إعلان لك أنك في ( مرات ) يقول المثل أضمن لي كميت أضمن لك   مرات ) فهو يقف شاهقاً معلناً عن نفسه وعن ضآلة ما حوله من منازل متراصة وحقول متناثرة لعل هذا الجبل ذي المئة وتسعين مليون عام هو السبب في اتجاهي للجيولوجيا. لطالما أحببت صعود ذلك الجبل حتى القمة عندما كنت صبياً . كنت أقضي وقتاً طويلاً على أعلى طبقات صخور الجير الضاربة للصفرة التي تكلل صخور الطفل الأحمر   تحته . لقد كان ذلك يعني لي الكثير من الحرية والتخلص من القيود : قيود الرؤية ، وقيود الفضاء.   كميت يتيح لي العيش في البراح والشعور بالإنطلاق والفضاء اللامحدود. كنت لا أمّل من الجلوس على قمته مطلقاً بصري نحو البيوت التي تبدو وكأن الجبل يحتضنها ، أو وكأنها وهي في ذرى ذلك الجبل تلوذ به لحمايتها من رياح السموم وعاديات الزمن وإنظار العدى. وإن كان صعود كميت مجهداً فإن لهفة التطلع للوصول للقمة بما تحمله من إغراءات الإستمتاع البصري والشعور بالتحرر من قيد الفضاء تنسيني ذلك التعب. وفي النزول متعة لا تعادلها متعة ، فهنالك طريق ضيق شديد ال...